تلفزيون ...في المطبخ!


  أخيرا" حصلت على تفسير منطقي حول علاقتي "الاجتماعيه" بتلفزيوبي الصغير القابع في  مطبخي . تفسير يضع الامور  في نصابها,و ينفي عني  خشيتي  من  كوني  لم اغادر بعد بقعه الطفوله  الكامنه في ذاتي , فاْفرح لاتفه المستجدات, حتى و ان كان هذا المستجد تلفزيونا"  قد بات اختراعا" باليا" نمطيا" مفروغا" منه.


في استرسال "اعتزالي" ,  تمكنت من ربط  التلفزيون باْصوات تنقلني الى مراحل اولى من سلم عمري وسنواتي . تضيق الصوره و يخبو الصوت فيصل الى ذاك المطبخ الواسع في بيت جدتي لابي, في شارع الشهيد  اْحمد ابن عبد العزيز  في رمال غزه.


تضمحل "الشياكه" البارده لمطبخي , بخشبه القيقبي الابيض , و بلاطه الفلسطيني الطابع , و نمطه المتوسطي الجميل , تتقزم  في مقابل الحياه المنبعثه و المتقجره  من مطبخ "ستي"  بمجلاه الرخامي البلدي , ونافذته التي لطالما سكبت  لنا شلالات الشمس الغزيه  بسخاء  , و نملياته الخشبيه  المنتشره في ارجائه.


الليله الواحده في  ضيافه جدتي كانت بعمر كامل . بيض " العيون" المقلي بالزبده الفلاحي , قي المقلى الالومنيوم "المطعوج" من عده جهات ,لا زال يقفز على اعتاب شهيتي , تصغر امامه كافه المشهيات  و الاوردوفرات , من كافه  قوائم الطعام في العالم, كما هو الحال مع بذر البطيخ المحمر على الصاج, و صحن الزيتون البلدي صغير الحجم المرصوص مع شرائح الفلفل و الليمون.

الداخل الى ذاك المطبخ كان كالداخل الى  سوق البلد. الارجل لا تنقطع عنه  الا ساعه  تطفاْ الانوار في البيت الكبير , و تخلد "ستي" الى  غرفه نومها الضخمه , بقميص نومها و روبها السماوي المصنوع في مصر , تحتضن في اكفها كاْس ماء بلوريه فوق صحن صغير.

لم تكن وحدها  ,تستوطن ذاك المطبخ , عمتي كانت دائما" هناك , تلك التي لطالما انتشلتنا من بين اذرع امهاتنا الغاضبات. و كانت ايضا" أم احمد في ايام الغسيل و العجين, و "عيشه" تلك البنت السوداء الملازمه لجدتي كظلها.ثم بعض الاحفاد , يتقافزون و يتبعثرون في كل مكان ,فتزجرهم "ستي" ..."يا ولد كن... يا ولد اسكت".....ثم زوجات الاعمام , هذه تستعير قدرا" , و تلك تحضز طبقا" من السماقيه الملوكيه, و اخرى تتكئ على حافه النافذه تروي قصصا" او اخبارا" او تستعد لزياره صباحيه......

احشد تلك الاصوات , اجمعها, الملمها,...لا اراديا",..اشتهي  لعمري ان  اسمعها  تصدح  في  اْرجاء بيتي  ومطبخي ! اشكو  من  فراغ  في فرحي....فراغ لن يمتلئ ابدا" .اذ  ان    البيوت اصبحت  اكثر اناقه , نصممها على هوانا,..نرتبها على هوانا...و لكنها تبقى خاويه, صامته , لا تشبه ابدا" ذاك المطبخ في قلب غزه. و هكذا  اسمح لتلفزيوني الصغير ان "يبرم" طيله فتره  وجودي  في المطبخ...عساني  استحضر جزءا"  من تلك اللحظه....تلك الضجه... و تلك الايام!!!!!                  

تعليقات

  1. واالله بتمون يا سيد سامر.
    اشكرك على كلامك الرائع,انا و الله لا استحقه.ممنونتك مره ثانيه,قد اكتب يوما" عن حكايا مرتبطه بالاكلات الشعبيه.؟!

    ردحذف

إرسال تعليق