أخيرا" حصلت على تفسير منطقي حول علاقتي "الاجتماعيه" بتلفزيوبي الصغير القابع في مطبخي . تفسير يضع الامور في نصابها,و ينفي عني خشيتي من كوني لم اغادر بعد بقعه الطفوله الكامنه في ذاتي , فاْفرح لاتفه المستجدات, حتى و ان كان هذا المستجد تلفزيونا" قد بات اختراعا" باليا" نمطيا" مفروغا" منه.
في استرسال "اعتزالي" , تمكنت من ربط التلفزيون باْصوات تنقلني الى مراحل اولى من سلم عمري وسنواتي . تضيق الصوره و يخبو الصوت فيصل الى ذاك المطبخ الواسع في بيت جدتي لابي, في شارع الشهيد اْحمد ابن عبد العزيز في رمال غزه.
تضمحل "الشياكه" البارده لمطبخي , بخشبه القيقبي الابيض , و بلاطه الفلسطيني الطابع , و نمطه المتوسطي الجميل , تتقزم في مقابل الحياه المنبعثه و المتقجره من مطبخ "ستي" بمجلاه الرخامي البلدي , ونافذته التي لطالما سكبت لنا شلالات الشمس الغزيه بسخاء , و نملياته الخشبيه المنتشره في ارجائه.
الليله الواحده في ضيافه جدتي كانت بعمر كامل . بيض " العيون" المقلي بالزبده الفلاحي , قي المقلى الالومنيوم "المطعوج" من عده جهات ,لا زال يقفز على اعتاب شهيتي , تصغر امامه كافه المشهيات و الاوردوفرات , من كافه قوائم الطعام في العالم, كما هو الحال مع بذر البطيخ المحمر على الصاج, و صحن الزيتون البلدي صغير الحجم المرصوص مع شرائح الفلفل و الليمون.
الداخل الى ذاك المطبخ كان كالداخل الى سوق البلد. الارجل لا تنقطع عنه الا ساعه تطفاْ الانوار في البيت الكبير , و تخلد "ستي" الى غرفه نومها الضخمه , بقميص نومها و روبها السماوي المصنوع في مصر , تحتضن في اكفها كاْس ماء بلوريه فوق صحن صغير.
لم تكن وحدها ,تستوطن ذاك المطبخ , عمتي كانت دائما" هناك , تلك التي لطالما انتشلتنا من بين اذرع امهاتنا الغاضبات. و كانت ايضا" أم احمد في ايام الغسيل و العجين, و "عيشه" تلك البنت السوداء الملازمه لجدتي كظلها.ثم بعض الاحفاد , يتقافزون و يتبعثرون في كل مكان ,فتزجرهم "ستي" ..."يا ولد كن... يا ولد اسكت".....ثم زوجات الاعمام , هذه تستعير قدرا" , و تلك تحضز طبقا" من السماقيه الملوكيه, و اخرى تتكئ على حافه النافذه تروي قصصا" او اخبارا" او تستعد لزياره صباحيه......
احشد تلك الاصوات , اجمعها, الملمها,...لا اراديا",..اشتهي لعمري ان اسمعها تصدح في اْرجاء بيتي ومطبخي ! اشكو من فراغ في فرحي....فراغ لن يمتلئ ابدا" .اذ ان البيوت اصبحت اكثر اناقه , نصممها على هوانا,..نرتبها على هوانا...و لكنها تبقى خاويه, صامته , لا تشبه ابدا" ذاك المطبخ في قلب غزه. و هكذا اسمح لتلفزيوني الصغير ان "يبرم" طيله فتره وجودي في المطبخ...عساني استحضر جزءا" من تلك اللحظه....تلك الضجه... و تلك الايام!!!!!
واالله بتمون يا سيد سامر.
ردحذفاشكرك على كلامك الرائع,انا و الله لا استحقه.ممنونتك مره ثانيه,قد اكتب يوما" عن حكايا مرتبطه بالاكلات الشعبيه.؟!